المركز السوري - بلال صطوف
مقدمة
تعتبر الثورة السورية إحدى أكثر ثورات الربيع العربي التي شهدت أعمال عنف مصدره السلطة، طالت مئات ألاف المدنيين، فمنذ انطلاقة المظاهرات السلمية عمد النظام إلى استخدام الحل الأمني في قمع المظاهرات وذلك من خلال استهداف المتظاهرين بشكل مباشر ، ومع حمل الثوار السلاح وسيطرتهم على مناطق واسعة من الجغرافية والمدن السورية تحول النظام إلى الحل العسكري من خلال زج الجيش بشكل مباشر في معركته ضد قوى الثورة ، مستخدماً الدبابات والطائرات في قصف المدن والاحياء الشعبية والأسواق بشكل خاص ، فضلاً عن ارسال مفخخاته إلى مناطق الثورة ، كثيراً ما سمعنا من يحاول سوق الأسباب والدوافع التي تقف خلف ممارسات النظام هذه ، عبر إرجاعها إلى أسباب طائفية أو انتقامية.
تحاول هذه الورقة التعرف على أسباب ودوافع العنف المفرط الذي ارتكبه النظام، وذلك من خلال تقديم تصور لطبيعة الصراع السوري، ودور العنف في تثبيت حكم النظام السوري.
أولاً: ماهية الصراع في الثورة السورية:
يدور الصراع في الثورة السورية كما هو الحال في جميع الثورات حول مدى شرعية كل طرف من الأطراف المتصارعة،ففي حين تعمل قوى الثورة على بيان الجوانب التي تظهر عدم شرعية النظام القائم، وإثبات شرعيتها وأحقيتها في تسلم سلطة البلاد، يحاول النظام القائم هو الأخر منع الثوار من امتلاك الوسائل المناسبة لحصولهم على شرعية الحكم فضلاً عن سلطة البلاد، وتبقى لكل دولة خصوصيتها المتعلقة بمفهوم الأسس التي تقوم عليها شرعية نظام الحكم، فلكل دولة أركان شرعية تختلف عن بقية الدول.
وتشهد الثورة السورية صراع يدور في مجمله حول نفي أو تأكيد شرعية الحكم، إلا انها تتميز في اختلاف أركان شرعية الحكم بين النظام والمعارضة.
ثانياً: مفهوم الشرعية لدى نظام الأسد:
هناك العديد من أسس الشرعية على مستوى الحياة اليومية التي حاول النظام السوري بناءها وسوقها كل ما دعت الحاجة إليها وتنقسم هذه الاركان إلى:
- ·توفير "الاستقرار الأمني" : لقد حاول النظام السوري طوال عقود حكمه إظهار قدرته على ضبط الأمن وتحقيق الاستقرار داخل البلاد من خلال بناء عدد كبير من الأجهزة الأمنية " أمن الدولة ، الأمن السياسي، المخابرات الجوية، المخابرات العامة" وتوسيع حلقة نفوذ هذه الأجهزة ، وإقرار قانون الأحكام العرفية "الطوارئ" ، وأن كانت مهمة هذه الأجهزة تتركز في حماية النظام ، إلا أنها تمكنت من تحقيق " الاستقرار الأمني" القائم على القمع والترهيب بالدرجة الأولى، ثم عمد النظام إلى رفع الشعارات التي تتغنى بالسلام الذي يعم البلاد " سورية الله حاميها" ، واكساب هذا النموذج من "الاستقرار" طابعاً مقدساً.
احتكار الخدمات العامة: عمل نظام الأسد منذ وصوله إلى السلطة على احتكار الخدمات العامة وذلك من خلال تبنيه نموذج الاقتصاد المخطط والتي تتحكم فيه السلطة بكل أشكال العمل الاقتصادي ومنها الخدمات العامة كشبكات الكهرباء والمياه والاتصالات، بالإضافة إلى توسيع نطاق عمل القطاع الصحي الحكومي عبر بناء مشافي ومراكز صحة حكومية "