قراءة في مؤتمري العين السخنة... الدلالات والمواقف

تمهيد:

منذ أكثر من عشر سنوات من الحصار الإسرائيلي المحكم على قطاع غزة، وما تلاه من انهيارات في كافة القطاعات الأساسية، الاقتصادية والصناعية والصحية والاجتماعية والسياسية، تكللت بانقسام بين شقي الوطن الضفة الغربية وقطاع غزة الذي يتطلع إلى بصيص أمل يكسر الإغلاق المحكم ويُوفّر متنفس له من أجل مواصلة العيش بالكرامة التي تتمتع بها شعوب العالم، كما يأمل قطاع غزة في حل كافة الإشكاليات التي يعاني منها، خصوصاً الكهرباء، والمياه، وإعادة الإعمار، والبطالة، والتحكم في تصاريح التجار ورجال الأعمال، وسفر الحالات الإنسانية والطلبة وغيرها من المشاكل التي تعد أساسية ويتألم منها المواطن والمسؤول بشكل مباشر، وفي ظل حالة الانسداد السياسي الفلسطيني دعا المركز القومي لدراسات الشرق الأوسط لمؤتمر العين السخنة الأول والثاني، حيث يعرف المركز عن نفسه عبر موقعه الإلكتروني، بأنه مركز بحوث ودراسات مصري مستقل، يهدف إلى دراسة وتعميق الحوار حول القضايا والتطورات في منطقة الشرق الأوسط، وانعكاساتها على الأمن القومي المصري والعربي.

مؤتمر العين السخنة الأول..

مؤتمر العين السخنة الأول أسس إلى مرحلة جديدة في العلاقة المصرية الفلسطينية خصوصاً مع قطاع غزة كما صرح المنظمون للمؤتمر، وقد حضر المؤتمر مجموعة من المفكرين وأعضاء المجلس التشريعي وقيادات الفصائل الفلسطينية، حيث شهدت العلاقة حالة من الجفاء مع قطاع غزة عقب الإطاحة بالرئيس المصري الأسبق محمد مرسي، وتوجيه بعض قنوات الإعلام في مصر أصابع الاتهام لقطاع غزة بالعبث في الأمن المصري، الأمر الذي نفته فصائل العمل الوطني والأحزاب الفلسطينية جملة وتفصيلاً، وأكدوا على أنهم حريصين كل الحرص على أمن مصر وتوطيد أواصر العلاقة مع الأشقاء، وعدم التدخل في شؤونهم الداخلية، وخرج المشاركون في المؤتمر بتوصيات كان أهمها:

1-   تعزيز الوحدة الوطنية الفلسطينية.

2-   إتمام المصالحة الداخلية حسب ما تم التوافق عليه.

3-   استكمال المشروع الوطني التحرري للتخلص من الاحتلال.

4-   العمل على إقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف.

5-   توفير الدعم العربي والاقليمي والدولي للقضية الفلسطينية.

6-   إعادة القضية الفلسطينية الى الأولوية من بين قضايا الاقليم.

7-   دعم القيادة السياسة للشعب الفلسطيني في خطواتها الدبلوماسية والدولية.

8-   إيجاد حل لأزمات قطاع غزة وأهمها معبر رفح البري بضمان الأمن القومي لمصر.

9-   التمسك بالشرعية الفلسطينية ومنظمة التحرير ممثلاً شرعياً للشعب الفلسطيني.

10-  استمرار التعاون وتطوير العلاقات الثنائية بين الشعبين المصري والفلسطيني.

قطاع غزة بعد المؤتمر الأول..

شهد قطاع غزة انفراجه بسيطة فور انعقاد مؤتمر العين السخنة الأول، من خلال فتح معبر رفح الذي يربط بين قطاع غزة ومصر ويعتبر المتنفس الوحيد للمواطنين في قطاع غزة على العالم الخارجي، حيث أن البديل له معبر بيت حانون “إيرز” (الذي يسيطر عليه الاحتلال الإسرائيلي)، وقد ساهم فتح معبر رفح  في في التنفيس عن سكان قطاع غزة، جددت بعده بأسابيع مصر الدعوة إلى عدد من رجال الأعمال للمشاركة في مؤتمر اقتصادي يناقش الوضع الراهن في القطاع، بعيداً عن المناكفات السياسية من أجل التأسيس لعلاقات تجارية مستقبلية تدفع باتجاه إقامة مشاريع جديدة وآليات للاستثمار بين غزة ومصر بدلًا من الاعتماد على المنتوجات الاسرائيلية وتحكم الجانب الإسرائيلي في إدخال البضائع إلى قطاع غزة ومنع عدد كبير من الأصناف الأساسية بحجج وذرائع واهية.

لقد هددت الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة الفلسطينية في رام الله، من يشارك في مؤتمر العين السخنة الإقتصادي بمنعه من الحصول على تصاريح للدخول إلى الضفة الغربية أو الأراضي المحتلة، عبر معبر “إيرز”، إلا أن صمت القيادة الفلسطينية يدل على موافقتها على التهديدات الأمنية وعدم دعمها لأي خطوة من شأنها أن تكسر الحصار عن قطاع غزة؛ لكن رجال الأعمال قاموا بتغليب مصلحة الوطن العليا على مصالحهم الشخصية، واعلانهم المشاركة بمجرد أن تم الإعلان عن المؤتمر واستعدادهم التام لإبرام الإتفاقيات الرامية لتعزيز التجارة بين البلدين.

موقف السلطة وفتح من المؤتمر..

هاجمت حركة فتح بشدة مؤتمر العين السخنة الذي دعا إليه المركز القومي لدراسات، وأوضحت السلطة بأنه من المفترض أن يناقش المؤتمر وضع القضية الفلسطينية وبناء حركة فتح، كنموذج للعمل التنظيمي الفلسطيني، ورفضت فتح المؤتمر وما قد يتمخض عنه، واعتبر المتحدث باسمها أسامة القواسمي المؤتمر باطلاً وغير شرعي وتدخلاً مرفوضاً في شؤون الحركة ما يشير إلى أن فتح تخشى أن يكون وراء هذا المؤتمر محمد دحلان عضو اللجنة المركزية المفصول، كما وتعتبر السلطة وحركة فتح المؤتمر محطة مهمة في تاريخ الخلاف الفتحاوي الداخلي، ومنعطف بارز في العلاقة الرسمية بين مصر والسلطة الفلسطينية التي ترى فيه تجمعاً لمعارضيها، ومدخلاً لمتغيرات سياسية قد تقود إلى قلب المشهد في مقر المقاطعة برام الله.

اتضحت التفاصيل لدى قيادة السلطة، بمعرفتها أن أعضاء من اللجنة التحضيرية للمؤتمر من الجانب المصري مؤيدون لدحلان، وعرفت قيادات فلسطينية أن المركز برمته تابع للمخابرات المصرية، وشعرت السلطة بألم الصفعة بمعرفتها أن أحمد أبو الغيط أمين عام الجامعة العربية أحد المحاضرين في المؤتمر، وأن أحمد الشربيتي هو لواء يترأس الكلية العسكرية المصرية إضافة إلى أنه محسوب على المخابرات المصرية، كما وأيقنت قيادة السلطة أن غالبية المشاركين في المؤتمر مؤيدون لدحلان، خاصة وأن عملية توزيع الدعوات حتى لبعض أعضاء مركزية فتح مثل أمال حمد، تمت عن طريق مركز أبحاث، ودعوات وأخرى وزعت عن طريق مكتب نائب محسوب على تيار دحلان.

الموقف المصري..

مصر تساعد القيادي في (فتح) محمد دحلان، من خلال السماح له بحرية العمل في الساحة المصرية، وذلك على حساب الرئيس الفلسطيني محمود عباس الذي أحتج لدى القيادة المصرية أكثر من مرة، لكن القاهرة تواصل دعمها لدحلان، لأنها تراه الشخصية القادرة على الإطاحة بحكم (حماس) من قطاع غزة.

 الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لا يبدو متأثرا من رفض عباس مصالحة خصمه، بل يواصل دعم أنشطة دحلان السياسية لتمكينه من العودة إلى صفوف فتح، والتحول إلى وريث لعباس، في ظل العلاقات التي تربط بين دحلان وجهاز المخابرات العامة المصرية.

السيسي يعلم جيدا أن عباس يعيش ظروفا صعبة، وأن تنحيته أو إزاحته عن المشهد السياسي باتت مسألة وقت ليس أكثر، بالتزامن مع علاقات ممتازة يشهدها دحلان مع السيسي، وهو يعلم مؤهلاته جيدا، مما جعله يتوسط في خلاف مصر مع إثيوبيا حول سد النهضة.

فتح دحلان..

اتهم أنصار محمد دحلان كل من شوه المؤتمر من حركة فتح بالمرتجفون ، ويرون أنصار دحلان بأن أعمال المؤتمر قد خرجت عن تصورات وفرضيات المرتجفون، الذين لن يرتقوا لسلم القوة والبناء على قاعدة الوحدة الحركية والوطنية، كما وصف أنصار دحلان الكُتاب والمثقفين والإعلاميين المشاركين في المؤتمر أنهم الأحرص على حركة فتح والحركة الوطنية، وهم الذين تناولوا البحوث المقدمة بكل إيجابية ليس حرصا على أسماء أو على ديكتاتوريات أو لرؤية مصالح لهؤلاء المرتجفين بل خدمة للوطن ولفتح، وللحركة الوطنية.

دور عباس في تشويه المؤتمر..

كان لمحمود عباس دور رئيسي  في تشويه المؤتمر من خلال استنفار بعض مقربيه في الساحة المصرية ليقوموا بممارسة الضغط على القيادة المصرية حتى تلغي المؤتمر حيث، استنكر نوّاب في مجلس الشعب المصري استضافة مصر لهذا المؤتمر "بزعم بحث مستقبل القضية الفلسطينية بتمويل مشبوه وبعد إقصاء ممثلي منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة وحركة فتح".

حيث استنكر النائبان سمير غطاس ومصطفى بكري المقربين من عباس الموقف المصري الذي سمح لمركز الدراسات القومي  بتنظيم المؤتمرين، وأعد النائبين أن ذلك الإجراء يشير إلى أن مصر أعدت انقلاباً صامتاً ضد القيادة الشرعية في فلسطين

وأكد غطاس أن عقد هذا المؤتمر في هذه الظروف يورط مصر لصالح الصغار ويمثل خروجاً فظاً عن الثوابت الوطنية المصرية التي لم يسجل في كل تاريخها تدخل في الشؤون الداخلية الفلسطينية أو انحياز ضد الممثل الشرعي للشعب الفلسطيني".

وأشار رئيس تحرير صحيفة "الأسبوع" مصطفى بكري أن استضافة ذلك المؤتمر تطور خطير لن يصُب أبدا في صالح القضية الفلسطينية؛ لأنه يمثل تجاوزا خطيرا لكل ثوابت الدولة المصرية.

وتساءل بكري: "هل يعقل أن يعقد على الأرض المصرية مؤتمر يخص القضية الفلسطينية في غياب المنظمة أو حركة فتح والتي يمثلها الرئيس أبو مازن، هذا أمر غريب لم يقدم عليه أحد من قبل".

وناشد النائبان المصريان الرئيس عبد الفتاح السيسي إيقاف هذه "المهزلة" وصون وحماية المكانة العالية لمصر من هذا العبث ومن كل الشبهات.

الخلاصة..

الشعب الفلسطيني وفصائله يُرحبون ويدعمون أي خطوات عربية ودولية ترمي إلى كسر الحصار عن غزة، وتساهم في حل اشكالياتها العالقة والمتراكمة، وتدعم من صمودها وتدفع عجلة النمو فيها وتساهم في انقاذها من حالات الانهيار.

 

تشعر السلطة الفلسطينية بأن هناك منظومة عربية تدار من جهات أمريكية وإسرائيلية من بينها دحلان وآخرين في أقطار عربية، يريدون استهداف أبو مازن والإطاحة به وفرض قيادة بديلة للفلسطينيين، وخلف الأضواء يعترف مستشارون لعباس، بأن القاهرة هي رأس حربة في القرار العربي الداعي للتخلص من أبو مازن، لكنها تفضل إبقاء شعرة معاوية معها ومع الأطراف الأخرى، لتخفيف حالة التوتر واملاً في إيجاد مخرج آمن لفتح في المرحلة الراهنة، وبالتالي العلاقة بين مصر والسلطة من جهة والعلاقة الفتحاوية الداخلية من جهة أخرى ستبقى تغلي على نار هادئة قد تنفجر في أي لحظة إذا ما استمرت حالة الغليان.

تحميل المرفقات :

هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن رأي مجموعة التفكير الاستراتيجي

قيم الموضوع
(0 أصوات)
Go to top