الحالة الفلسطينية طوفان الأقصى:عملية التغيير الشاملة في الأراضي الفلسطينية مابين الانعكاسات والتداعيات والاحتمالات

مقدمة
الحمد لله رب العالمين «علم الإنسان ما لم يعلم».
مع نهاية عام 2023م واستقبال عام جديد بعده، ما زال العالم ونظامه الدولي والإقليمي يعيش حالة الاضطراب والصراع، وكأنما نذر الصدام الكوني تزداد، حيث شكّل طوفان الأقصى الذي فاض في السابع من أكتوبر من عام 2023م وكان نقطة تحول في الاستقطاب والصراع الاستراتيجي في المنطقة، إذ تحولت القضية الفلسطينية كقضية مركزية للعالم ومستقبل، وليس فقط كقضية مركزية للعالم الإسلامي.
لقد أحدث طوفان الأقصى متغيرات ومستجدات على المستوى السياسي والاستراتيجي والقانوني والإنساني.
إذ أن بنيان النظام العالمي الذي بني على مجموعة من الأنظمة والقوانين الدولية بات على وشك الانهيار، بل فعلياً سقطت كل مقومات هذا النظام القانونية والأخلاقية في وقوف الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين في الحرب اللاأخلاقية التي يمارسها الكيان الصهيوني المحتل لفلسطين مدعوماً من آلة الحرب الأمريكية وحلف الناتو، كما أثبت عجز المنظمات الدولية بل قوى دولية مثل روسيا والصين عن قدرتها في تغيير واقع الاعتداء والظلم على شعب غزة المحاصرة وسقطت كل أقنعة العالم الغربي المتحضر وفشلت كل الأنظمة العربية والإسلامية عن تغيير أو تفكيك الحصار المضروب على ما يقارب أكثر من مليوني إنسان محاصر في غزة، إن أهم متغير تم رصده خلال هذا العام هو المتغير الأخلاقي الحضاري للقيم العالمية وللنظام العالمي الذي نشأ بعد الحرب العالمية الثانية وقادته الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون، وبالرغم من ذلك فإن مؤشرات إيجابية رصدت في المنطقة العربية، حيث استمرت المصالحات الإقليمية وأهمها الاتفاق السعودي الإيراني ومحاولات تخفيض حدة الصراع الداخلي في ليبيا واليمن وسوريا، وكذلك التوترات بين الجزائر والمغرب، مع تطور العلاقات التركية الخليجية والمصرية، أضف إلى أن حدة الاستقطاب الطائفي في المنطقة قد خفت نسبياً، إلا أن اشتعال الحرب في السودان بين الجيش وقوات الدعم السريع المدعومة من أطراف خارجية زاد من التوترات في منطقة القرن الأفريقي، بالإضافة إلى احتمالات توسع الحرب في البحر الأحمر والشرق الأوسط، باستمرار العدوان الإسرائيلي على غزة.
وقد أدى ذلك إلى ارتباك في استمرار عملية التطبيع مع الكيان الصهيوني وزاد من خطر انزلاق الولايات المتحدة قبل عام من الانتخابات في حرب في الشرق الأوسط بدعمها الكيان الصهيوني، ومن جهة أخرى شهد عام 2023م تزايد التنافس بين السعودية والإمارات على قيادة المنظومة العربية، إلا أن قطر تفرّدت بدبلوماسيتها النامية كوسيط في مجموعة من الملفات أهمها قيادة التفاوض بين حماس والكيان الصهيوني بشأن إطلاق سراح الأسرى الصهاينة في حرب غزة، مما أوجد لها مكانة دولية مهمة، في حين شكّلت المقاومة الفلسطينية بقيادة حماس دوراً حيوياً في إعادة القضية الفلسطينية كقضية رئيسية من جديد، بل شكّلت أملاً للشعوب العربية وإعادة الدور والمكانة في مواجهة العدو الصهيوني، وبث الحيوية من جديد فيه، إلا أن تحديات التهجير في الضفة وغزة ما زال مهدداً كبيراً يلقي بظلاله على الحالة الفلسطينية والعربية، مع تزايد التحديات الأمنية، في ضوء تفكك وفشل المنظومات العربية في عمل استراتيجي موحد.
ويسرنا في جمعية التفكير الاستراتيجي أن نضع بين يدي الجمهور العربي والنخب والباحثين والمتخصصين تقريرنا الاستراتيجي التاسع والذي أنتجه مجموعة من الخبراء والباحثين أصدقاء الجمعية ومراكزها في المجموعة، وهو جهد تشاركي لتطوير أفق التفكير والوعي الاستراتيجي لقطاعات الشباب وجمهور المتخصصين والباحثين في الجامعات والمراكز البحثية في المنطقة العربية، إضافة إلى مجموعة كبيرة من الأنشطة والمشاريع والمبادرات والمخيمات والدورات التي قامت بها الجمعية لإيجاد بيئة وعي استراتيجي وازنة، في تهيئة جيل من الشباب العربي والإسلامي ليقوم بدور في تنمية البلدان والأوطان بوعي واتزان أمام فوضى المستجدات والمتغيرات الاستراتيجية العالمية والإقليمية والمحلية التي تضرب المنطقة بعواصفها.
وأخيراً أتقدم بجزيل الشكر لجميع الإخوة الباحثين الذين قاموا بإنتاج هذا التقرير وللإخوة الذين تابعوا خطة تنفيذ هذا التقرير في الجمعية، والذي يتمثّل في 5 إصدارات رئيسية (تقرير الحالة العربية (3 أجزاء) - تقرير الحالة الإقليمية والدولية - تقرير الحالة العامة).
متمنياً لجميع الباحثين والمتابعين والقراء والمؤسسات الأهلية والحكومية أن تستفيد من هذا التقرير السنوي، وأن يخيّم السلام والأمان في ربوع الأوطان والأبدان بحفظ الرحمن الكريم المنان.

محمد سالم الراشد
رئيس مجموعة التفكير الاستراتيجي

هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن رأي مجموعة التفكير الاستراتيجي

قيم الموضوع
(0 أصوات)
Go to top