في الثامن والعشرين من كانون ثاني/ يناير 2020، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وبحضور رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، وعدد من سفراء الدول، منهم سفراء ثلاث دول عربية، صفقته التي طالما روج لها بأنها صفقة القرن. تباينت ردود الفعل العالمية حيال هذه الصفقة، بين مواقف مؤيدة، ومواقف معارضة، وأخرى متأرجحة. إلا أن ما برز في هذا السياق، هو الإجماع الفلسطيني على رفض الصفقة، وارتفاع الأصوات المنادية بضرورة الوحدة الفلسطينية لمواجهتها.
لا يوجد في الصفقة أي سبب يدعو الفلسطينيين لقبولها، أو حتى للتعامل معها بأي شكل، فهي تؤكد على أنّ القدس عاصمة موحدة لدولة الاحتلال، وتتنكر لحقوق اللاجئين الفلسطينيين وعودتهم، وتؤسس لبقاء المستوطنات الصهيونية في الأراضي المحتلة، ولا تعارض ضم بعض الأراضي الفلسطينية لدولة الاحتلال، وتحصر الأمن بيد الاحتلال، وتدعو إلى نزع سلاح المقاومة، وتضع المعابر والحدود تحت سيطرة الاحتلال، وكذلك المقدسات الدينية، وغير ذلك من البنود التي لا تمنح الفلسطينيين، إلا حكما محدودا على 11% من أرض فلسطين التاريخية.
ومن أجل قراءة هذه الصفقة، وانعكاساتها، والخيارات المتاحة أمام الفلسطينيين، استطلع مركز رؤية للتنمية السياسية، رأي عدد من النخب السياسية والأكاديمية الفلسطينية، ورؤيتهم لمجمل ما يتعلق بالصفقة، وذلك من خلال إجاباتهم على الأسئلة التالية: ما هي الخيارات المتاحة أمام السلطة الفلسطينية لمواجهة صفقة القرن على المستويين الداخلي والخارجي؟ ما المقصود من خطاب الرئيس أبو مازن حول تحويل الدور الوظيفي للسلطة الفلسطينية؟ ما مدى قدرة السلطة على خلق استراتيجيات فعالة لمواجهة صفقة القرن؟ وهل ستقود السلطة احتجاجاتٍ سلمية؟ هل يمكن أن يؤسس توجه وفد إلى قطاع غزة، خطوة أساسية لإنهاء الانقسام وتوحد الفلسطينيين؟ وما هو موقف الفصائل الأخرى، وماذا تستطيع أن تفعل، وهل هناك دور منوط بقطاع غزة؟
تلخصت آراء الخبراء في هذا الموضوع، فيما يلي:
- الإجماع الفلسطيني على رفض صفقة القرن بشكل مطلق، والدعوة إلى اتخاذ خطوات عملية تدعم هذا الرفض، وفي مقدمتها وقف التنسيق الأمني مع الاحتلال، وإعادة النظر في الدور الوظيفي للسلطة الوطنية، بحيث ينسجم مع المشروع الوطني، وليس مع الاتفاقيات السابقة.
- الدعوة إلى ترتيب البيت الفلسطيني كآلية ضرورية لمواجهة الصفقة، على أن يتضمن ذلك عقد الإطار القيادي المتفق عليه بين الأمناء العامين للفصائل، وتحديد موعد لإجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية، وتشكيل حكومة وحدة وطنية، وتفعيل دور منظمة التحرير الفلسطينية.
- وضع رؤية شاملة، واستراتيجيات فعالة لمواجهة الصفقة، على المستويات الوطنية والعربية والعالمية، تشمل تعزيز الصمود على الأرض، وتفعيل المقاومة الشعبية والاحتجاجات السلمية، واستنهاض العالم العربي حكوماتٍ وشعوبًا، وتفعيل مواقف المنظمات الإقليمية والدولية، والدول والشعوب الصديقة، بما في ذلك دعم المقاطعة الدولية للاحتلال.
د. أيمن دراغمة، النائب في المجلس التشريعي الفلسطيني
بتقديري أن خطاب الرئيس أبو مازن عقب الإعلان عن صفقة القرن، يعتبر بادرة جيدة للتأسيس لموقف فلسطيني وطني. الخطاب في مضمونه هو بمثابة إعلان عن البدء بإصلاح البيت الفلسطيني، خاصة وأنه جرى اتصال هاتفي قبل الخطاب، بين رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية، والرئيس عباس. كما أن اجتماع الأطياف السياسية كافة برام الله، والمناقشات التي جرت في مقر المقاطعة، كانت بمثابة رسالة من طرف الرئيس لجميع الأطياف، بأنه سوف يبدأ صفحة جديدة.
عقب الخطاب، شاركنا باجتماعات مع أعضاء في اللجنة المركزية لحركة فتح، وكان هناك شبه إجماع على كيف نتوحد جميعا في رفض صفقة القرن. الآن، وإذا ما ذهب الوفد إلى قطاع غزة فعلًا، فسيكون ذلك بمثابة محطة ثانية، تؤكد على وحدة الموقف الفلسطيني، ووحدة البيت الفلسطيني.
وأمام ذلك كله، لا بد من خطوات عملية من قبل الرئيس، بحيث يتم وضع خطة ولجنة لمتابعة هذه الملفات، حيث يمكن الانتظار بعض الوقت لمواجهة صفقة القرن، ثم نبدأ بالخطوة التالية، وهي البدء بتنفيذ بنود الاتفاقيات الموقعة ما بين الفصائل الفلسطينية؛ بهدف إنهاء الانقسام. طبيعة الخطوات التي يمكن الذهاب إليها، تتمثل أولا في وضع برنامج ورؤية وطنية، يمكن الانطلاق فيها من وثيقة الوفاق الوطني، ووثيقة الأسرى، وهي تتضمن الحدود الدنيا المتوافق عليها بين الكل الفلسطيني. ثم تشكيل حكومة وحدة وطنية، ثم عقد اجتماع الإطار القيادي الموحد للقوى الفلسطينية؛ للبدء فعلا بتنفيذ ما تم التوافق عليه في بيروت عام 2017، بهدف إصلاح منظمة التحرير الفلسطينية، وتشكيل مجلس وطني جديد، وما يتبع ذلك من انتخاب اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، وإعادة تفعيل المؤسسات الوطنية، وفي مقدمة ذلك كله، الإعلان عن موعد محدد للانتخابات التشريعية والرئاسية.
على الصعيد الخارجي، يجب أن تكون هناك حالة استنهاض للمواقف العربية، لأن بعض الدول العربية والدول الصديقة، لم تكن مواقفها متقدمة في رفض صفقة القرن. كما يجب الضغط على الدول التي حضرت الإعلان، لإصدار موقف رافض لصفقة القرن، لأن هناك قرارات عربية سابقة تؤكد ذلك. ومن ناحية ثانية، يمكن العمل على تفعيل العديد من المحاور، مثل دول عدم الانحياز، والبرلمان الإفريقي. وبالتالي، من المفترض أن يكون هناك جهد دبلوماسي فلسطيني كبير، لمناهضة هذه الصفقة.
على صعيد الدور الوظيفي للسلطة، فإن هذا يتحقق من خلال وقف التنسيق الأمني، لذا فالمطلوب أن يكون هناك بيان واضح، وتعليمات واضحة من قبل الرئيس للأجهزة الأمنية، لوقف التنسيق الأمني، وهذا هو الذي يفهمه الشارع من تحويل الدور الوظيفي. ومن ناحية أخرى، يجب إعادة السلطة الفلسطينية كمؤسسة تحت جناح منظمة التحرير الفلسطينية، وهذا يتطلب أيضا إعادة بناء المنظمة.
وعلى صعيد خلق استراتيجيات فعالة لمواجهة صفقة القرن، فإن أهم أداة هي عدم المشاركة في أي لقاء له علاقة بمفاوضات مع الاحتلال، لأن أي مفاوضات في هذه المرحلة، معناها القبول بتطبيق صفقة القرن. والأداة الثانية هي مواصلة جهود الإصلاح الداخلي، وردم الهوة ما بين السلطة والشارع، بحيث يتم جسر المسافة التي وُجدت على الأرض خلال السنوات السابقة، وأن تترك السلطة الشعب لاختيار أدوات المقاومة ضد الاحتلال، وأن لا تكون عائقا أمام ذلك.
ليس مطلوبًا من السلطة أن تقوم باحتجاجات، فهذا هو دور شعبي، ودور مؤسسات المجتمع المدني، لكن المهم أن لا تقوم السلطة بمنع الحراك الشعبي ضد الصفقة، وأن تسمح للتيارات والأحزاب بالعمل، وإطلاق الحريات للعمل التنظيمي.
وبخصوص توجه وفد من الضفة الغربية إلى قطاع غزة، فهي خطوة هامة جدا على جميع المستويات، لأن الفترة التي سبقت إعلان صفقة القرن، تخللها تصعيد إعلامي، ومناكفات، وعدم ثقة، وبالتالي فإن زيارة الوفد إلى غزة، هي بمثابة إعلان عن وحدة الموقف السياسي الفلسطيني.
إن من يتحمل المسؤولية الأساسية الآن، هما الفصيلان الكبيران على الساحة الفلسطينية، فتح وحماس، والفصائل الأخرى مواقفها منسجمة مع مواقف الفصيلين الكبيرين، وبالتالي يمكن أن تُفرض الرؤية الوطنية على الجميع، إذا كانت هناك حالة توافقية، من منطلق الحرص على الوطن.
د. بكر أبو بكر، رئيس أكاديمية فتح الفكرية (أكاديمية الشهيد عثمان أبو غربية)
هناك ثلاثة أمور رئيسة، يجب التركيز عليها كخيارات متاحة أمام السلطة الفلسطينية والفلسطينيين، وهي:
- تعزيز مقومات الصمود على الأرض بأشكاله كافة، حيث أصبح الصمود ركنًا أساسيًا في المواجهة مع الاحتلال، والمحافظة عليه يعني بقاء الوجود الفلسطيني.
- تحقيق الوحدة الوطنية الفلسطينية، من خلال استراتيجية عمل مشتركة، تقضي على كل مبررات التشتت، حيث بات الحديث عن عدم الوحدة أمرًا خطيرًا على القضية الفلسطينية.
- التركيز على إعادة بناء منظمة التحرير، باعتبارها العنصر الأساس الجامع للفلسطينيين، بغض النظر عن حالة التشرذم الموجودة فيها، لأن العالم ينظر لها كجامع للكيانية الفلسطينية.
وبالنسبة للخيارات الخارجية، لا بد من إعادة صياغة رواية جديدة، تقوم على أسس الإسلام والعروبة والنضال، لكن ضمن منطلقات تستطيع الأجيال الحالية من العرب والمسلمين وغيرهم، استيعابها، وبما يضمن مراعاة التغيرات الحضارية الحاصلة، خاصة في الوقت الذي باتت فيه القضية الفلسطينية، تفقد ألقها الإسلامي والعربي، نتيجة انشغال المجتمعات العربية والإسلامية بصراعات داخلية. وفضلًا عن الخيارات القانونية، من المفروض أن يكون هناك عنصر ربط مع العالم، من خلال إيجاد زخم عربي، وعقد مؤتمرات دولية ، وإعادة بناء أحلاف جديدة، وخلق اهتمام عالمي جديد بالقضية الفلسطينية.
لا شك أن السلطة قادرة على إيجاد استراتيجيات فعالة لمواجهة صفقة القرن، وبشكل جيد، لكن الأمر يتطلب تغييرًا في الرؤى والأشخاص القادرين على الفعل. نعم هنالك قيادات لها ماضيها النضالي والسياسي، ولكن هناك اليوم قيادات شابة، قادرة على الفعل والتأثير في الناس، يجب استغلالها وإشراكها في خلق هذه الاستراتيجيات، لأن لها تصورات وأدوات تفكير مؤثرة، ولا يمكن الاستهانة بها.
من المفترض أن تقود السلطة احتجاجات سلمية، وقد أشار الرئيس إلى ذلك، ولكن الأمر يتعلق بالأشخاص القادرين على قيادة تلك الاحتجاجات. من الواجب أن يكون هناك امتداد جغرافي وديمغرافي للاحتجاجات، ويجب أن تتوسع رقعتها، ومداها الزمني، ولا تكون مجرد ردات فعل.
وعلى صعيد إنهاء الانقسام، هناك توجه حقيقي لإنهائه، ولكن الملف ليس مرهونًا فقط بالفلسطينيين، فهنالك محاور إقليمية لا يروق لها أن تكون هناك وحدة فلسطينية، وهذا ما يهدد الوحدة الوطنية فعليًا.
باختصار، المطلوب هو العودة إلى منظمة التحرير فورًا، وعدم ادعاء التوازن بين الأطراف الفلسطينية، وإمساك العصا من المنتصف، فالأصل أن نعيد الروح والزخم للمنظمة.
د. علاء أبو عامر، باحث مختص في العلاقات الدولية والقانون الدولي
بشكلٍ عام، يجب وضع استراتيجية فلسطينية بديلة لمواجهة صفقة القرن. فما قبل الإعلان عنها شيء، وما بعدها شيء آخر، فقد أثبت الإعلان عن الصفقة، أن الإسرائيليين لا يريدون سلامًا، وأزال الإعلان عنها الغباش عن العيون، التي حمّلت الفلسطينيين مسؤولية فشل عملية السلام سابقا، وهذا أمرٌ لا بدّ من الاستثمار فيه، كأحد الخيارات المتاحة أمام السلطة الفلسطينية.
استراتيجية حل الدولتين، في ضوء ما تمارسه “إسرائيل” على أرض الواقع، وبعد الإعلان عن صفقة القرن، أثبتت فشلها، لذا لا بد من الحديث عن خيارات أخرى، كحل الدولة الواحدة، التي يتمتع فيها الفلسطينيون بتساوي الحقوق السياسية والمدنية، الأمر الذي قد يمكنهم من السيطرة مستقبلًا، في ضوء الديمغرافيا الفلسطينية الحالية. إضافة إلى ذلك، من الممكن الاستثمار في تعزيز حملات المقاطعة عمليًا، ودعم حركات مختصة في هذا المجال، مثل حركة BDS.
على صعيد المحافل الدولية، يُفترض أن يتحرك الفلسطينيون نحوها بقوة، حيث كشف أحد بنود صفقة القرن، خوف “إسرائيل” من التوجه للمحافل الدولية، واشترط على الفلسطينيين في حال التوقيع على الصفقة، التعهد بعدم التوجه لأي محفل دولي، يمكن من خلاله محاكمة “إسرائيل”. أعتقد أنّ الوقت قد حان لتنفيذ التوجه نحو أي شيء دولي، بإمكانه أن يُلحق الضرر بـ “إسرائيل”، ويزيد من الضغط عليها.
وبخصوص تغيير الدور الوظيفي للسلطة الفلسطينية، كما أشار الرئيس أبو مازن في خطابه، أنَّ بإمكان السلطة الفلسطينية التحلل من الاتفاقيات الموقعة مع “إسرائيل”، نتيجة تغير دورها من الاتفاقيات الموقعة معها، كالانفكاك الاقتصادي، والتنسيق الأمني، والذي أعلن الرئيس صراحة أنَّه بصدد وقفه. وفي هذه الحالة، قد تواجه السلطة الفلسطينية المزيد من الضغوط إسرائيليًا وأمريكيًا، ولكنها حتما ستكون أكثر مساندة من الشارع الفلسطيني، الذي سيعزز صمودها. وهذا مرتبط بالسؤال التالي، والذي يتعلق بقدرة السلطة على خلق استراتيجيات فعالة في مواجهة الصفقة، حيث سيُتيح لها تحويل الدور الوظيفي، مزيدًا من القدرة على الفعل، والتأثير على الأرض، وعندها سيكون الشارع أكثر صمودًا في تحمل أي أعباء مالية، قد تترتب على ذلك، بالشراكة مع نظامه السياسي.
لم يعد بإمكان الفلسطيني أن يقبل باستمرار الرهان على أوسلو، فالناس غير مقتنعة، وأي شيء جديد يجب أن يتم من خلال إصلاح المنظمة، وإعادة ترتيب مؤسسات السلطة، بما يتناسب مع تحول دورها.
أعلنت السلطة الفلسطينية دائمًا، أنّها مع الاحتجاجات السلمية، والفلسطيني هو من يقرر. فهو قَدَر هذه المنطقة، ورأس الحربة فيها، ولن يتوانى عن أي احتجاج للدفاع عن أرضه. ولكن ما قد يخفف حدة هذه الاحتجاجات، هو ردة الفعل العربية، فإذا ما تم تبني الموقف الرسمي الفلسطيني عربيًا، فإن ذلك قد يمنح السلطة الفلسطينية، مجالًا أوسع للحركة.
بإمكان الفصائل الفلسطينية أن تصنع المستقبل، وحسن النوايا واضح هذه المرة، وهذه فرصة حقيقية لكل الأطراف لإنهاء الانقسام كخطوة أولى للانتصار، وفرصة لحماس أن تحمل الهم الوطني الداخلي، بعيدًا عن أي بعد تنظيمي خارجي ودولي. وبالنسبة لغزة، لا يمكن أن تنفصل عن المشروع الوطني الفلسطيني، وستكون رديف القدس في كل الأزمنة، وهذا ما على حماس أن تدركه، وأعتقد أن إنهاء الانقسام، سيكون فرصة للخروج من المأزق الحقيقي للفصائل الفلسطينية.
د. يوسف ارشيد، أستاذ العلاقات الدولة في الجامعة العربية الأمريكية
باعتقادي أن تطبيق ما يسمى بصفقة القرن، يجري على قدم وساق منذ فترة من الزمن. فالإدارة الأمريكية نقلت سفارتها إلى القدس، وتتعامل معها رسميًا كعاصمة دولة “إسرائيل”، وتشجع الاستيطان، وتدعم القوانين الإسرائيلية المتعلقة بضم الأراضي المحتلة. لكن الجديد، أنهم يريدون منا كفلسطينيين، أن نوقع على قرار ذبحنا، وشطب قضيتنا، والتنازل عن القدس بأيدينا. ومن المؤكد أن هذه الصفقة لن تمر دون موافقة القيادة الفلسطينية. ومن الواضح أن هناك معارضة شعبية ورسمية واسعة ضد هذه الصفقة، ولكن في المقابل، سيدفع الشعب الفلسطيني ثمنًا لهذا الموقف، من تضييق وحصار، وغيره.
على الصعيد الداخلي، يجب العمل على إعادة لحمة الصف الفلسطيني، وإنهاء الانقسام الداخلي، وتوحيد كل الجهود والطاقات، من أجل مواجهة الخطر الداهم، الذي يهدد القضية الفلسطينية برمتها، وتغليب المصالح الوطنية العليا، على المصلحة الحزبية الضيقة، وتشكيل طاقم من جميع الفصائل والأحزاب الوطنية والإسلامية، لبناء استراتيجية فاعلة، تستطيع الصمود في وجه هذه المؤامرة.
وعلى الصعيد الخارجي، كان يُفترض من السلطة منذ زمن، إعادة ترتيب معسكر الأصدقاء والأعداء، لذا يجب التوجه إلى كل الدول الصديقة والداعمة للقضية الفلسطينية، وكفى متاجرة بأنظمة تساوقت مع المشاريع الصهيونية. يجب التحرك بشكل فوري وفاعل على الصعيد الدولي، والذي طالما رفضته “إسرائيل” جملةً وتفصيلًا، وذلك لأن جميع القرارات الدولية، تؤكد أن القدس والأغوار والضفة الغربية وقطاع غزة، هي مناطق محتلة يجب الانسحاب منها. وقد يعتقد البعض أن مثل تلك التحركات، لا تؤتي أكلها، لكن يجب إحراج “إسرائيل” والولايات المتحدة، وعزلهما دوليًا.
من ضمن الخيارات المطروحة، تحويل الدور الوظيفي للسلطة الفلسطينية، دون أي توضيح لماهية هذا المفهوم، علمًا أن الدور الوظيفي للسلطة الفلسطينية، هو دور خدماتي من ناحية، ولا أعتقد أن الرئيس كان يقصد ذلك، ودور آخر يتمثل في العلاقة مع الاحتلال، كالتنسيق الأمني وغيره. والدور الوظيفي للسطلة الفلسطينية، حسب اتفاق أوسلو، هو قيام حكم ذاتي مؤقت لمدة زمنية محددة، وبعد ذلك قيام دولة فلسطينية، وبالتالي، فإن تحويل، أو إلغاء الدور الوظيفي للسلطة، يعني إلغاء اتفاق أوسلو، وكل ما نتج عنه. وإذا كان هذا هو المقصود، فهو بحاجة إلى ثبات وتضحيات وصبر، لأن كثيرًا من أمورنا الحياتية، مرتبطة بالاحتلال، حيث جميع المعابر والمنافذ بيده.
قد تكون الخيارات الاستراتيجية لدى السلطة الفلسطينية صعبة. لكن باعتقادي، يجب أن تكون كل الخيارات في هذه المرحلة، مفتوحة وممكنة، من اعتصامات واحتجاجات، وتحريك الرأي العام، إضافة إلى خيار المقاومة. لذلك، يجب العودة إلى الشارع الفلسطيني، الذي غُيب منذ سنوات تحت واقع اتفاق أوسلو. يجب عدم الحديث عن إمكانيات السلطة في المواجهة، بل إمكانيات الشعب الفلسطيني. مع أنني لست متفائلًا فيما يتعلق بإنهاء الانقسام، وذلك لأن الأجندات الفصائلية والحزبية والشخصية، ما زالت مسيطرة، والإرث الثقيل من الحقد والعداوة، ليس من السهل أن يتم تجاوزه بهذه السرعة.
موقف الفصائل السياسية الأخرى، معارض بشكل حازم لصفقة القرن، وقد يكون لها دور مهم في المرحلة المقبلة، وتحديدًا في حالة تصعيد أعمال المقاومة ضد الاحتلال. فهذه الفصائل، تمتلك الكثير من الخبرات النضالية، لذلك يجب العمل على توحيد كل الجهود في ساحة الفعل النضالي.
تضمنت صفقة القرن، نزع سلاح المقاومة، وطرح مشاريع اقتصادية عملاقة، تمول من دول الخليج النفطية، مع مساهمة من قبل الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي. تحاول “إسرائيل”، مدعومة من الولايات المتحدة، أن تستغل حال الفقر والجوع والحصار على قطاع غزة، لتحول القضية الفلسطينية إلى مجرد قضية إنسانية، وإعطاء حلول وامتيازات اقتصادية، على حساب سلب الحقوق السياسية. لكني أعتقد أن الشعب الفلسطيني لن يستسلم، رغم كل محاولات التركيع من قبل الاحتلال الإسرائيلي.
سامر عنبتاوي، كاتب ومحلل سياسي، وعضو الهيئة القيادية للمبادرة الوطنية الفلسطينية
رغم كبر الهجمة، وحالة الانقسام الداخلي، وفقدان بعض عناصر القوة، كفقدان جزء هام من العمق العربي، والتغيرات الحاصلة في الإقليم، إلا أن عناصر القوة الكامنة، موجودة، وتتمحور في إعادة بلورة الاستراتيجية الوطنية الشاملة، المعتمدة على إنهاء الانقسام، وبناء برنامج وطني شامل وموحد، وبناء الاقتصاد الوطني المقاوم، وإعادة الانسجام الوطني لمواجهة الاحتلال، وإعادة تعريف وظائف السلطة، بالتخلص من جميع الاتفاقات المبرمة مع الاحتلال.
كان تغيير الدور الوظيفي للسلطة، مطلبًا للقوى السياسية، ومؤسسات المجتمع المدني، وذلك عبر تحويل السلطة من العلاقة المباشرة مع الاحتلال، على المستويات الأمنية والاقتصادية، إلى قيادة وطنية موحدة، تعبر عن تطلعات الشعب الفلسطيني، وقواه الوطنية. بهذا التغيير، فإن السلطة ترتبط بإجماع وطني، لتتحول لقيادة شعب تحت الاحتلال، وترتبط بالتوجه الوطني العام، وتتخلى تماما عن العلاقة مع الاحتلال، وارتباطاتها به.
وبخصوص الاستراتيجيات الفعّالة للمواجهة، فإن الأمر يرتبط بالتوجه لبحث تشكيل شبكة أمان على المستوى الإقليمي، وتحقيق نوع من الترشيد الإداري، وصيانة الاقتصاد المقاوم، وتحقيق الانفكاك الاقتصادي، واستجلاب الدعم من المغتربين الفلسطينيين الأغنياء، وذلك كله ضمن برنامج اقتصادي مدروس، ومتنوع الخيارات.
وبخصوص الاحتجاجات السلمية، فإن السلطة لا تتوجه لقيادة الفعاليات المطلوبة ضمن الوضع القائم، ولكن سوف تتغير الأمور عندما تتغير وظائف السلطة، وتوجهاتها، لتعبر عن الكل الوطني، فيحدث انسجام بين الشعب وسلطته، وقواه السياسية.
أما توجه وفد من الضفة إلى قطاع غزة، فإنه يجب أن لا يكون من أجل الحوار المستنفذ سابقا، وإنما لإرساء قواعد إنهاء الانقسام، وتحقيق الوحدة، والبدء بالإجراءات الفورية لتحقيق ذلك، كسلاح قوي لمواجهة الصفقة. وموقف الفصائل يجب أن يقوم على الشراكة الكاملة بين مكونات الشعب وقواه الوطنية، وفعالياته، من أجل صياغة البرنامج الوطني، وإعاد بناء منظمة التحرير على أسس نضالية وديموقراطية، ودعم صمود الناس، والتوعية بمخاطر المرحلة القادمة، والتعاون لبناء مجتمع متماسك وقوي.