خطاب الكراهية الإيراني للعرب : النشيد الحماسي والدعوة كليب نموذجاً.... د. نبيل العتوم

الجزء الأول

تنشط  وسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي الإيراني  اليوم  وبكثافة قومية ومذهبية غير مسبوقة شكلاً من  التعبئة  المغلفة بالعداء غير المسبوق للعرب ، وتيرة وشكل هذا العداء  المعلن والصريح ترعاه مؤسسات النظام  الإيراني بكافة مستوياته ، بل ولا تتوانى عن دعمه بالمال والكادر والمعلومات .

في النسيج الخاص بمعزوفة الكراهية للعرب التي باتت تشكل القاسم المشترك بين فئات الشعب الإيراني ، ومحاولة استثارة المشاعر القومية والمذهبية وبشكل غير مسبوق  ، بحيث شاعت  وبصورة متسارعة لنجدها معزوفة يرقص عليها العلماني ، ويترنم على مزاميرها الملاّ  ، أسماء واصطلاحات وتعبيرات مثيرة ما أنزل الله بها من سلطان في وصف العرب  ، وليس الدول العربية وحكامها وحسب.

اليوم، نشهد ما يشبه إعادة إنتاج لثقافة الكراهية بشكلها "المودرن"  مع توظيف التاريخ و  الأدبيات السياسية التي رسختها الثورة الإسلامية  بطابعها المقيت ، ولكن مع فارق جوهري مهم ،  وهو أن العداء اللفظيّ الجديد يتخذ طابعاً خاصاً، من خلال بروز مفهوم النشيد  الحماسي لاستثارة الإيرانيين ضد العرب ، والشكل الثاني أسلوب وإستراتيجية الدعوة  لفيديو كليب من خلال تبني بعض الطاقات الدعوية الشبابية التي تحظى بحضور جماهيري واسع بين فئات الشباب والفتيات من جيل شباب الديجتيال ؛ أو ما أصطلح عليه في إيران شباب 4G .

يمكن وصف ما يتم برمجته في إيران بمحاولة توظيف التكنولوجيا الحديثة وجيل الشباب  لتعبئة الشعب الإيراني  ومحاولة قولبة وتوظيفها  الحداثة لغرس  أدوات الكراهية ضد الشعب الآخر " العرب" .

وفي الواقع أن ما يتم اليوم في إيران ،لا تبدو  معه هذه الكراهية مصممّة فقط  لنقد السياسات الرسمية العربية ، بأكثر ما يبدو نوعاً من  غرس الكراهية  عن طريق التشهير بالقيم والعادات والتقاليد والتراث واغتيال الشخصية ، بل ونسف المنظومة القيمية العربية بمجموعها .

دوافع إيران

من المؤكد أن  سياسة  كراهية الآخر قد انتقلت - خلال السنوات القليلة الماضية من المناهج والكتب المدرسية الإيرانية -   كلياً من إطارها النظري ، لتتبناه  الدولة  والثورة والنخب الإيرانية، وهذا يتضح من خلال حجم  المنشور والمتداول على وسائل  الإعلام الإيرانية ، والمواقع الالكترونية ووسائل التواصل الاجتماعي بشتى أشكالها  ، بحيث لم  تعد  هذه الحالة  خاضعة لأي معيار أدبي و أخلاقي وواقعي و علمي بل وإنساني ، بل هي حالة  يمكن وصفها بحالة هستيريا  تعكس قبح الثورة " غير الإسلامية "   في التعاطي مع كراهية الآخر " العربي " ، وتفتقد لأبسط أدبيات الأخلاق والحوار . ولعل أكثر الدلائل وضوحاً  على حدوث مثل هذا التحوّل، أن نقد العرب والحط من تاريخهم وحضارتهم  سرعان ما اتسع  ليصبح قضية يومية في وسائل التواصل الاجتماعي ، وليصبح نوعاً ما ساحات المحادثة(الشات) للإبداع والتفنن في رسم حالة  العداء للعرب عموماً ؛ بل وللتاريخ والثقافة والقيم الاجتماعية،  ولم يقف الأمر عند ذلك؛  بل انتقل إلى إستراتيجية  عامة للتشهير وإطلاق النكات حول القيم  الدينية ، والفكرية ، والاجتماعية والروحية والثقافية للعرب .

من المؤكد أن إيران  الثورة التي استنزفت  أسباب وجودها بعد زيف شعارات الموت و لأميركا ، الموت لإسرائيل ، بدأت تبحث عن عدو جديد لتستنزف طاقات شعبها ، وتعيد تعبئته بشكل شيطاني مقيت ؛ فوجدت ضالتها بالعرب ، وليعكس هذا التوجه الحقد الدفين على العرب المسلمين الذين فتحوا بلاد فارس ، وليجسد السلوك الإيراني الطامح لبناء مجاله الحيوي على أطلال البلاد العربية وأنقاضها ، فلم يجد بُداً من تعبئة شعبه وشحنهم قومياً ومذهبيا لتسهيل مهمة تجنيدهم للقتال  خلال مداخل الأزمات العربية ؛ لا سيما في العراق وسوريا .

أشكال وطرق التعبئة  الإيرانية الحديثة ضد العرب

أولًا : النشيد  الحماسي :تجهد وتتسابق الاوركسترا التابعة للحرس الثوري وقوات التعبئة والقطاعات الأهلية الإيرانية في ابتكار وتأليف القصائد والنشيد المغنى لبث الأفكار المذهبية الرخيصة  ، وبث النزعة القومية ، ومحاولة استثارة الشعب الإيراني وتعبئته للخارج بغرض تجنيدهم لأهداف إيران لنشر الفوضى والخراب ، من خلال توظيف مداخل الأزمات الإقليمية منطلقاً لها ؛ فنجد على سبيل المثال لا الحصر نشيد إيراني يدعو للقتال في سوريا ؛ حيث تركز كلماته على أهمية الذهاب للدفاع عن الحرم " (زينب) و(رقيه) " ، ويستحث الشباب للجهاد من خلال جعل روحه على كفه  فداء  للوطن " إيران " ، ويضيف النشيد أن الهدف النهائي ليس تحرير العراق وسوريا ؛ بل لأن طريق القدس يمر عبر حلب .

يوظف النشيد  السيرة العاشورائية  لاستثارة الشعب الإيراني فيقول :  أنه ومنذ كان طفلاً فهو خادم للإمام الحسين

وأنه مدافع عن آل البيت كما دافع الحسين عن الحرم

وكما دافع علي عن الكعبة والإسلام

ويخلص بأن إيران  تدافع عن الظلم دوماً .

كما نلاحظ أن هذا النشيد الحماسي وغيره يحاول استثارة الشعب الإيراني مذهبياً وقومياً ، والتوسل بشعارات الثورة الإيرانية بعد 35 عاماً من التكرار والضخ المذهبي  غير المسبوق ، مع تغيير في بعض المفاهيم والجغرافيا ؛ فبعد أن كان طريق القدس في الأناشيد الحماسية الإيرانية يمر عبر كربلاء ، انتقل ليصبح عبر الضاحية الجنوبية وبيروت ، ثم انتقل بقدرة قادر ليكون عبر حلب .

هذه الشعارات تجد صداها لدى معارضي النظام الإيراني ومؤيديه ؛ والنظام أجاد بامتياز اللعب والتعبئة من خلال التوسل بإثارة حالة العداء بين العرب والعجم ، والإيرانيين الشيعة "الذين يحملون لواء الإسلام الحقيقي " ، والعرب السنة " الأمة الضالة " .

النتيجة أن هذه الشعارات تجد من يطبل لها في إيران على مختلف فئات الشعب الإيراني وتلاوينهم السياسية والفكرية والعقائدية ...

ثانياً :  الدعوة كليب :  الداعية رائفي بورنموذجاً :شاب إيراني  يحمل درجة الدكتوراه ، بوق واعد من أبواق النظام بنكهة شبابية مضحكة ، امتهن الدعوة  والإرشاد ، وإعطاء المحاضرات من خلال التوسل بوسائل التواصل الإيراني ، حيث يقوم ببث محاضراته على اليوتيوب بطريق منمقة ساخرة ، لديه فريق كامل مدعوم من مكتب المرشد خامنئي بشكل مباشر، وله موازنة بأمر المرشد   لمساعدته  ؛ بهدف جذب جيل الشباب الإيراني بفئاته العمرية المختلفة ، بعد إدراك النظام الإيراني بتآكل شرعيته نتيجة اعتماده على جيل من الكهول " مراجع التقليد " ، اللذين آكل عليهم الدهر وشرب ، فحاول تجديد خطابه ، والاعتماد على جيل جديد من الشباب لمخاطبة واستقطاب الفئة العمرية النشطة في إيران " 15 – 45" ، ومحاولة توجيههم حسب أجندة النظام الإيراني وثورته ، فوجد ضالته بالداعية رائفي بور الذي تبناه ، وحاول توظيفه لخدمة أغراضه .

الداعية الساخر بور يتحدث ويفتي  على اليوتيوب في كل المسائل بدءاً بتفسير لوحة العشاء الأخير بأسلوب جنسي بحت ؛ ومروراً باليوتيوبات الأخرى الخاصة برسم صورة العرب بشكل جنسي أيضاً ، حيث يتم توجيهها للشعب الإيراني مستهزأ من خلالها بالعرب ، حيث يبدأ حديثه عن العرب  في الحالة البدائية الأولى ، واصفاً حياتهم البدائية كرعاع وقتله مأجورين ، وقبائل متناحرة ، ويتمثل كيف كانت بيئة العرب مرتعاً للعهر وممارسة الرذيلة وطقوس الجنس الجماعي ، ويصف بلاد العرب - كما هي الآن حسب زعمه - هي أرض أصحاب الرايات " الدعارة " ، ويستعرض كيف كان العرب يسمون باسم أمهاتهم لأنهم مجهولي النسب ، يخلص إلى  أن العرب بمجموعهم أبناء الزنى ، وأن بلادهم كانت وما زالت مرتعاً للدعارة ، وأن زعماءهم وقادتهم من يرعون ذلك في مشيخاتهم .....وهي لا تستحق أن تحمل اسم دول ، وأن على إيران أن تسحقها لإقامة شرع الله ومنهجه القويم .

يهاجم  رائفي بور العرب بصورة دورية ممنهجة ، ويطلق عليهم النكات المختلفة  التي تصفهم بأقذر الصفات  ،  ويقوم بإطلاق سلسلة حلقات  عن العرب بشكل  دائم  ، طبعاً هذا لا يمكن أن يتم دون رعاية ودعم  مباشر من مكتب المرشد  كل ذلك بهدف توظيفه لأهداف النظام والترويج لما يريد ، لرائفي بور متابعين  يقارب عددهم  15 مليون إيراني ، وهذا  الأمر يتضح من خلال حجم متابعيه على وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة التي لا يحرص النظام الإيراني على حظرها ، أو حتى التشويش عليها  ، بل يروج لها ويدعمها بلا حدود  . 

من هنا بدأت المؤسسات الثورية الإيرانية تتسابق في رعاية أية فعالية درامية ، موسيقية ، مسرحية...... تجسد  العنصرية الرخيصة ضد العرب ، حيث  تكاد  كراهية العرب  تصبح ظاهرة عامة  تتم وتجري تحت رعاية رسمية ، وهذا يتضح من خلال  كثافة الحملات العدائية التي تبثها وسائل التواصل الاجتماعي الإيرانية بشكل يومي .

إن كل من هبّ ودّب في إيران ، يمكنه أن ينشر في أي وسيلة تواصل اجتماعي : فيس بوك ، تويتر ، يوتيوب ....، أو  جريدة  أو عبر أي قناة فضائية إيرانية ؛ خاصة الموجهة للداخل ، أو  في أي موقع الكتروني ، خطاب الكراهية ضد العرب ، وثمة منْ يساهم من النظام الإيراني ومؤسساته ؛ لا سيما الثورية منها ، في تغذيتها وتطويرها ونشرها ورعايتها .

إن  شيطنة العرب  واحتقارهم ووصفهم بأقذر الصفات وتصوير مجتمعها التاريخي بأنه مجتمع ( الدعارة ) وأنهم أشرار ( لأنهم عرب ) وهم أشدّ خطراً من  قوى الاستكبار العالمي  أميركا وإسرائيل ،  وهم فوق ذلك خطر داهم ( لأنهم سنة أهل بدع وضلال ) يندرج في سياق حملة كراهية ممنهجة تقودها قوى المجتمع المدني الإيراني ونخبه ، بأدوات رسمية إيرانية .

وممّا يدعو للتساؤل حقاً، أن مَنْ ينشرون هذه الكراهية  يشكون غالباً من وجود خطاب كراهية لإيران والتشيع في العالم العربي ، وهذه مفارقة غريبة عجيبة ينبغي التوقف عندها  في خطاب الكراهية  الرسمي الجديد في إيران الثورة والدولة .

في تقديري أن إيران قد تحوّلت  فامبير " مصاصي دماء   بعد أن حقنت الدولة والثورة شعبها  منذ نعومة أظفاره بمصل الكراهية والحقد  ، وقدسية الثأر من الآخر " العربي ، السامي ، السني " ، والسؤال المطروح في خضمّ هذه الهستيريا  التي جسدها خطاب الكراهية الإيراني هو التالي: كيف ينبغي أن نجدد فهم إيران الدولة والثورة والشعب والنخب  في إطار هذا السياق ؟  وكيف علينا  أن نبني خطاباً واستراتيجية ناجعة وفاعلة لمواجهتها  ، وفق هذه التطورات ؟ ، أم علينا أن نمارس دبلوماسية الانتظار عسى الله أن يهدي إيران وشعبها ، وهو ما يريده حكامنا على الدوام  .

هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن رأي مجموعة التفكير الاستراتيجي

قيم الموضوع
(0 أصوات)
Go to top